حقيقة قوس قزح - علوان السهيمي

11 سبتمبر 2024
دار ميلاد
حقيقة قوس قزح - علوان السهيمي

يتناول علوان السهيمي في روايته “حقيقة قوس قزح” الصادرة عن “دار ميلاد” حالة الروائي حين تنتابه حبسة الكتابة، جسدها في ياسر النبهان بطل الرواية وعجزه عن كتابة حرف واحد يُطمئن بها نفسه ويسعد بها مُعجبيه، تتزامن معها إحساس لديه بحرارة تسري في عروق متابعيه وشوقهم إلى كتابة جديد له، إلا أن بوادر الانفراج بدت تلوح في الأفق حين بادر صديقه أمجد بتوفير ملاذ يبعده عن الضوضاء الحسية والمعنوية وانعتاق الحرف، واتخذه معتزلاً للكتابة.

أدب الرسائل

لم يدر بخلد ياسر أن يكون المعتزل عودة لأدب الرسائل في ظل وجود التقنية الحديثة، حين يُعيد إحياءها حال تعرفه على جارته التي رمزت لنفسها بزهراء، وبالتالي كانت سبباً مباشراً في خروجه من عنقِ زجاجةِ حبسةِ الكتابة بل وصل به الحال إلى تزويدها بمسودة فصول العمل، فكلما أنهى فصلاً أرسله لها وبطريقة منمقة، إلا أن الملفت اتخاذ البطل الكذب طريقاً للتواصل مع جارته، بداية بتسمية نفسه معن مروراً بعمله معلماً للصبيان، وصولاً الى إظهار نفسه أعزباً غير مرتبط بعائلة، وهنا تناقض يعيشه وهو العائد من الخارج الذي قضى فيه فترة الابتعاث للحصول على شهادة الدكتوراة وكيف يزعم أنها غرست فيه حب العائلة.

أفعال موازية للحياة

تجري أحداث الرواية على إيقاع متناغم وبلغة معبرة لم تسلم من المرور على بعض عادات المجتمع وثقافته، بل وما يعانيه أهله من معوقات ومشاكل.

يذكر السهيمي: “إذا ما عرفنا بأن الرواية فعل مواز للحياة، فهي تشبهها إلى حد كبير، فمن الضروري جداً أن يمر الروائي على بعض العادات والتقاليد والمشاكل الاجتماعية والثقافات المشاعة في البيئة التي يكتب عنها، لأنه ببساطة يكتب تلك الحياة، وهذه الأشياء جزء مهم وأساسي من حياة الأبطال داخل العمل” مبدياً اعتقاده أن أبزر ما ينبغي أن تلتقطه الأعمال الروائية، هي تلك الأشياء التي تتعلق بحياة الناس وثقافتها، وما يميّز مجتمع عن غيره “فنحن عندما نقرأ الآداب الإنسانية الأخرى، فنحن نطمح لأن نقرأ عادات وتقاليد وثقافات ومشاكل تلك المجتمعات لنستوعب الآخر، ويكون لدينا إدراك لحياتهم، فبالتالي ورود هذه العادات والمشاكل جزء من العمل الأدبي والفني والإنساني، ينبغي أن يتنبه لها كل سارد”.

حالة ذهنية نفسية





جاءت الروية بمجمل 228 صفحة، ونستطيع تصنيفها بالعمل ذي الروايتين، حيث يمسك السهيمي في ختام روايته يد قارئه داخلاً به إلى رواية أخرى وتحديداً تلك التي كان يكتبها ياسر في عزلته ويمد بمسوداتها لجارته.

وحول هذه الجزئية أوضح السهيمي أن أي تصنيف للرواية هي وجهة نظر لا يمكن أن يتحكم بها أو يصادرها أو يوافق عليها أو حتى يعارضها، “فأنا دفعت بهذا الكتاب للنشر، وظيفتي ككاتب انتهت في ذلك الوقت، وعلى الملتقي أن يفهم من النص ما يناسبه، ويؤوله كما يريد” وزاد “الكتاب بعد النشر هو ملك لقرائه، ولم يعد للكاتب أي سلطة عليه، إنما فقط في أن يضعه اسمه على غلاف الكتاب فقط”.

وفي ذات المنوال غالبًا ما تمر بالكاتب حبسة الكتابة، والتي صُنفت كحالة ذهنية نفسية مما تكون سبباً مباشراً في انصراف الكاتب عما يكتب والشواهد على ذلك كثيرة، وحول هذه الحالة والتحرر منها يعتقد السهيمي بأن أكثر حل يمكن أن يساعد الكاتب للتخلص من الحبسة في الكتابة هو أن يقرأ كثيراً وباستمرار “إننا كلنا نمر بتلك اللحظة التي لا نريد أن نكتب فيها شيئاً، أو نجد بأن ما نكتبه ليس جديراً بالنشر، وهذا أمر طبيعي في اعتقادي، لكن القراءة هي من تعيد الكاتب للياقته السابقة، وهي المعين الحقيقي للاستمرار في الكتابة، إنها الوقود الذي إذا ما انقطع سيتوقف الكاتب عن الكتابة، وحتى إن كتب سيكون مكروراً بشكل لا يطاق، إنها المعين الذي لا يمكن أن نتخلى عنه، أو نحاول أن نكبر عليه، فنحن أمامها صغار دائماً، وهي الحل الأمثل عندما لا نجد أي حلول متاحة، وزاد: “هناك أمر آخر للتخلص من حبسة الكتابة، أن يجلس الكاتب أمام الورقة ليكتب حتى لو لم يجد شيئاً جيداً ليكتبه، فينبغي على المبدع أن يتحدى نفسه أمام الأوراق، وأن يكتب ويجبر نفسه على الكتابة، فيجب أن يوجد لنفسه وقتاً محدداً للكتابة، فالحبسة لا تتعلق بالكتابة فقط إنما تتعلق بالقراءة أيضا، فيجد الإنسان نفسه أحياناً معدوم الرغبة في أن يقرأ، لذا لابد أن يُجاهد نفسه على الدوام للوقوف أمام الصفحات ليقرأ، وسيجد في لحظة ما بأن الحبسة قد تلاشت”.

تقاطع الأحداث مع حياة الكاتب

وقد يصادف القارئ أحياناً عملاً روائيًا تتشابه أحداث بطله مع أحداث حياة كاتبه، فهل تحمل الرواية جزءاً من سيرة علوان السهيمي الذاتية، وكيف يفسر مثل هذا الشعور من القارئ؟ وأجاب السهيمي: شعور القراء تجاه ما أكتب شيء لا يمكنني أن أتحكم به، فكل متلق في هذا العالم له حرية أن يؤول ويشعر كما يريد، وهذا أمر طبيعي جداً، لكنني ينبغي أن أنفي بأنني لم أكتب سيرة ذاتية إنما كتبت رواية، وينبغي على القارئ أو الملتقي أن يحترم هذا العقد الذي أبرمته مع الناشر بأنني نشرت الكتاب بوصفه رواية وليس سيرة ذاتية، فأنا عندما أنشر رواية أريد منها أن تكون رواية، ولا شيء غير ذلك، ولو أردت أن أنشر سيرة ذاتية، فتأكد بأنني سأكتب على غلافها بأنها “سيرة ذاتية”.

وأضاف “الأمر هنا يتلخص في الآتي: شعور المتلقين حول أعمالي شعور لا يمكنني أن أتحكم به، ولهم كامل الحرية في التفكير كما يريدون، لكنني أفترض بأنهم على قدر كبير بأن يحترموا بأنني نشرت كتبي بوصفها روايات وليست سيرة ذاتية، أما من جانب آخر، فمن المؤكد بأن كل روائي في هذا العالم يكتب جزءاً منه في كل عمل روائي، وليس شرطاً أن يكون هذا الجزء شخصية روائية أو أحداث معينة، إنما هو يمرر بعض الأفكار داخل الروايات، تعبر بطريقة أو أخرى، ولا أعتقد بأن هناك كاتباً ما لا يمرر أفكاره من خلال رواياته، إنما يجد هناك فرصا جيدة داخل الأعمال الروائية لتمرير تلك الأفكار، متسائلاً في ذات الوقت لو مرر كاتب ما أفكاره، أو كتب جزءاً منه داخل أي عمل روائي له، هل يُعد هذا العمل سيرة ذاتية؟ أتصور بأن هذا الشيء لن يحول العمل من رواية إلى سيرة ذاتية، فسيبقى كونه رواية مبنية على الخيال أكثر”.

أحوال القراءة والكتابة

أنتجت كتابات علوان السهيمي على خمس روايات هي “الدود، الأرض، لا تحابي أحدا، القار، حياة بنصف وجه، وحقيقة قوس قزح”، ومجموعة قصصية وحيدة بعنوان “قبلة وأشياء أخرى” أوجدت لديه رأياً حول أشياء كثيرة تحيط بفعل القراءة والكتابة: “فنحن حينما نقرأ ونكتب ينبغي أن تتوفر كل الظروف الممكنة، مثل الهدوء والرغبة الملحة، و الإيمان، ولا أعتقد بأن هناك كاتباً ما يستطيع أن يجلس أمام الحاسوب مثلاً، ويريد أن يكتب، فتبدأ هذه العملية بكل يسر وسهولة إذا لم تتوفر الشروط السابقة الذكر”.


صادق الشعلان